79 حكومة استجابت لزلزالين مدّمرين في مكسيكو سيتي - والنتائج فوضوية على أحسن تقدير
تُشكّل إدارة مكسيكو سيتي الكبرى، التي تعتبر أكبر مدن أمريكا الشمالية وأكثرها سكّاناً، تحديّاً كبيراً، فسكان هذه المدينة البالغ عددهم 22 مليوناً يتوزعون بشكل غير متساوٍ على مساحة تعادل عشرة أضعاف مساحة مدينة نيويورك، وتحكمها حكومة فيدرالية واحدة وولايتان و76 حكومة بلدية، تتداخل مسؤوليات جميعها مع بعضها البعض.
ويدرك قادة وسكان مكسيكو سيتي الكبرى حالياً، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، نقاط الضعف والعوائق التي يمكن أن تنجم عن وجود هذا العدد من الحكومات. إذ يصعب التعامل مع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع مستويات عدم المساواة وانتشار الفقر على نطاق واسع نتيجةً لتشرذم المسؤوليات والموارد بين حكومات المنطقة وضعف التنسيق والرقابة.
وتظهر هذه الصعوبات بشكل أوضح في أوقات الأزمات، إذ واجهت السلطات في المكسيك في الآونة الأخيرة تحدي مشكلة التعامل مع تداعيات زلزالين هائلين ضربا مكسيكو سيتي خلال أسبوعين في سبتمبر 2017، حيث كان الزلزال الأول الذي ضرب المدينة في 8 سبتمبر أقوى زلزال تشهده المدينة منذ عام 100 عام، فيما اعتُبر الزلزال الثاني الذي ضرب المدينة في 20 سبتمبر أكثر الزلازل فتكاً في البلاد منذ عام 1985، إذ تسبب بمقتل 270 شخصاً. كما أشارت الإحصاءات الرسمية إلى تضرّر أكثر من 3,400 مبنى، وانهيار عشرات الأبنية الأخرى.
ويمكن وصف استجابة الحكومة لهذا الكارثة، في أحسن تقدير، بالمتفاوتة. بالمتفاوت على أحسن تقدير.
قرارات متسرعة
شهدت الأجزاء المركزية والغربية من المدينة، حيث توجد المراكز التجارية والمالية، وقوع معظم الأضرار والخسائر. وعادة ما تتمتع هذه المناطق بخدماتٍ عامةٍ أفضل من باقي أجزاء المدينة.
أما السكان القاطنون في الأطراف الخارجية للمدينة فغالباً ما يعانون من ضعف وسائل النقل العام، وانخفاض مستويات السلامة العامة، والافتقار لفرص التنمية الاقتصادية. وقد أحدثت هذه الاختلافات شرخاً واضحاً بين المناطق ذات الدخل المرتفع والمنخفض.
وبرز هذا الشرخ بشكل أكبر بعد حدوث الزلزال الثاني، حيث أعلنت الحكومة الفيدرالية 16 بلدية في الأجزاء المركزية من مكسيكو سيتي "مناطق منكوبة". وأتاح هذا الأمر للسلطات المحلية الوصول إلى الموارد البشرية والمالية واللوجستية اللازمة لاتخاذ التدابير الطارئة لحماية الأرواح والبنية التحتية والحفاظ عليها بمساعدة من الصندوق الفيدرالي للكوارث الطبيعية (FONDEN).
وجرى اتّخاذ هذا القرار بناءً على تقديرات ذاتية وغير موضوعية أجرتها السلطات الفيدرالية وسلطات ولاية مكسيكو وسلطات مكسيكو سيتي، وذلك استناداً إلى عدد الضحايا وكمّية الأضرار في كل من الولايتين اللتين تشكلان مكسيكو سيتي الكبرى، إلا أن القرار لم يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الآنية وطويلة الأمد للمجتمعات في المدينة ككل. ونتيجة لذلك، لم تحصل البلديات الموجودة في أطراف المدينة على مساعدة فيدرالية.
العودة إلى الوضع الطبيعي؟
طالبت بلدية نيزالكويوتل، وهي بلدة منخفضة الدخل ذات كثافة سكانية عالية، أن تعلنها سلطات الولاية والسلطات الفيدرالية كمنطقة منطقة منكوبة، لتتمكن من الحصول على تمويل من الصندوق الفيدرالي للكوارث الطبيعية.
وبدا الطلب غير مبرر من حيث القيمة الإسمية الاسمية، حيث لم يكن هناك أيّ خسائر وتعرض أربعة أشخاص فقط للإصابة في هذه البلدية بأكملها. وعلى الرغم من ذلك، خلّف الزلزالان خسائر فادحة بالبنية التحتية المحلية، إذ تأثر أكثر من 3,200 منزل، وتضرر نحو 2,700 منزلاً منزل بشكلٍ كبير، فيما اضطرت السلطات لهدم بعض المنازل.
كما تضرّرت شبكات المياه أيضاً وحُرم السكان المحليون نتيجةً لذلك من المياه الصالحة للشرب في منازلهم. وقد تحتاج السلطات المحلية التي لم تحصل على التمويل والتي تعاني أصلاً لتوفير خدمات عامة كافية حتى في الأوضاع الطبيعية، إلى مدة طويلة لإعادة إعمار البنية التحتية المتضررة.
وشكّل إصرار الحكومة الفيدرالية على اعتماد حدود الولاية في اتخاذ قرارٍ بشأن المناطق التي تحتاج إلى تمويل طارئ بعد تعرضها لكوارث طبيعية، عائقاً أمام عودة الحياة الطبيعية بشكل سلس، إذ لم تحصل البلديات التي تأثرت بالكوارث على امتداد منطقة مكسيكو سيتي الكبرى في البداية على المساعدة الفيدرالية. ولم تحصل المناطق المتضررة الأخرى المتاخمة للمناطق المركزية في مكسيكو سيتي على موارد من الصندوق الفيدرالي للكوارث الطبيعية (FONDEN)، بهدف التعامل مع آثار الزلازل، إلّا عندما دعت حكومة ولاية مكسيكو علناً الحكومة الفيدرالية إلى التصرف.
ما وراء الحدود
أصبح جلياً أن الوقت قد حان لتجاوز الحدود الإدارية ووضع سياساتٍ أكثر إنصافاً وكفاءةً لتحسين استجابة المدينة للزلازل، وتعزيز رفاه وسلامة السكان على المدى الطويل.
وستحتاج حكومات مكسيكو سيتي الكبرى من أجل تحقيق ذلك إلى وضع استراتيجية أفضل عوضاً عن الاعتماد على نموذج قائمٍ على الحدود، حيث تتّخذ قرارات الاستثمار في البنية التحتية العامة بهدف ضمان الحصول على دخل من العائدات الضريبية المتنامية أو النمو الاقتصادي.
وسيتطلب تحقيق ذلك قدراً أكبر من التعاون، والأهم من ذلك تبادلاً للمعلومات على جميع المستويات للربط ما بين السلطات المتعددة في المدينة من جهة والسكان والشركات من جهة أخرى. كما يجب ألا تتوقّف تحضيرات الحكومات لمواجهة الكوارث الطبيعية والاستجابة لها عند حدود البلديات.
ويشكّل إقرار القانون العام للحماية المدنية في ولاية مكسيكو، الذي قُدّم عام 2012 ولم يتمّ تعديله أو تمريره كقانون حتى الآن، من الخطوات الجيدة في هذا السياق، إذ من شأن ذلك أن يحدث تغييراً فورياً لتعزيز مدى الجاهزية والسلامة في مكسيكو سيتي الكبرى.
ويمكن أن يُلزم القانون حكومات ولاية مكسيكو بتركيب أجهزة إنذار عام، ليتمكّن جميع السكان في مكسيكو سيتي الكبرى، وليس فقط المقيمين في المناطق المركزية، من سماع إشارات التحذير المبكرة. هذا وتوجد في الوقت الحالي أجهزة مماثلة في المباني الفيدرالية في ولاية مكسيكو، خلافاً للمناطق المكتظّة كالأجزاء المركزية في مكسيكو سيتي.
وسيشكّل اتّخاذ إجراءات بسيطة، كتركيب مكبرات صوت متصلة بالأنظمة الوطنية للإنذار المبكر في المناطق العامة في جميع أنحاء مكسيكو سيتي الكبرى، وليس فقط في الأجزاء المركزية منها، خطوةً هامة لضمان سلامة جميع السكان عند وقوع الزلزال الكبير التالي.