البراكين الهائلة حقيقية والحكومات غير مستعدة لمواجهتها
تشكّل البراكين الثائرة إحدى القوى الطبيعية التي تثير الرعب في نفوس البشر، ومن ذلك أننا ما زلنا نتناقل مثلا قصة ثوران جبل فيزوف عام 79 بعد الميلاد الذي دمّر مدينة بومبي الإيطالية القديمة، فالبراكين تُبرز عجز وضعف البشر تجاه القوى التدميرية الهائلة للطبيعة.
لكن هل نمتلك خططا لمواجهة ما يُعرف بـ "البراكين الهائلة"؟ وكيف يمكن للحكومات ووكالات إدارة الكوارث الاستعداد للتعامل مع الآثار التي يخلّفها ثوران البراكين الهائلة؟
قبل المضي قدماً بهذا الموضوع، دعونا نتعرّف على مفهوم البركان الهائل.
يحتوي البركان الهائل على طاقة متفجرة كامنة تفوق تلك التي طمرت مدينة بومبي عميقاً تحت الرماد لدرجة أنّه لم يُعاد اكتشافها إلّا بعد 1500 عام. ففي حين صُنف ثوران بركان بومبي في الدرجة الخامسة على مؤشر التفجر البركاني ("في إي آي")، يُشير المسح الجيولوجي الأمريكي إلى أنّ ثوران البركان الهائل يأتي في الدرجة الثامنة على المؤشر، وهو التصنيف الأعلى، إذ تقذف هذه الانفجارات ما لا يقل عن 1000 كيلومتر مكعب (ما يعادل 240 ميلاً مكعباً) من الحمم والرماد وغيرها من المواد.
ووفقاً للمسح، فقد حدث أكبر ثوران لبركان هائل قبل نحو مليوني عام فيما يُعرف الآن بحديقة "يلوستون" الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أدى ذلك الثوران البركاني إلى خروج 2450 كيلومتراً مكعباً (ما يعادل 588 ميلاً مكعباً) من المواد البركانية.
الهزات الأرضية في يلوستون
كُشف في أغسطس لعام 2017 عن سلسلة من الهزات الأرضية في يلوستون، وتبع ذلك إصدار تقارير إعلامية أدّت إلى إثارة المخاوف من احتمال ثوران بركانيٍ هائل آخر.
ولم تَلقَ البراكين مثل هذا الاهتمام العالمي منذ ثوران بركان إيافيالايوكل في آيسلندا في أبريل 2010؛ إذ نتج عن هذا الثوران البركاني سحابة رماد دفعت إلى إيقاف آلاف الرحلات الجوية حول العالم، مما كلّف شركات الطيران خسائر تُقدّر بنحو 1.7 مليار دولار أمريكي.
ويُعزى جزء من تركيز وسائل الإعلام على هذا الموضوع إلى وقوع عدد كبير من الأحداث البركانية في هذه المنطقة الشهيرة بجمالها في الولايات المتحدة خلال عام 2016. على سبيل المثال، أفادت مجلة "نيوزويك" الأمريكية إلى أن سلسلة من الهزات الأرضية تتجاوز 2,500 هزة كانت قد ضربت المنطقة، قائلة: "سُجّلت أقوى هزة بتاريخ 15 من يونيو وبلغت شدّتها 4.4 درجات".
وتبع ذلك على الفور تقاريرٌ أعدتها الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء ("ناسا") عن خطة جذرية لإمكانية تحييد البركان الهائل في يلوستون، وهو واحدٌ من بين نحو 20 بركاناً تُهدد باحتمال حدوث انقراضٍ جماعي على وجه الأرض إذا ما تفجّرت حممها.
وفي هذا السياق، صرّح بريان ويلكوكس، من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وعضو في المجموعة التي تبحث عن مخاطر الأجرام السماوية التي ترتطم بالأرض، لـ "بي بي سي": "لقد توصلتُ إلى نتيجة خلال هذه الدراسة مفادها أن التهديد الذي يُنذر به البركان الهائل أكبر بكثير من تهديدات الكويكبات أو المذنبات".
ولطالما اعتقد العلماء بأنّ الزلازل هي التي تدفع البراكين إلى الثوران، لكنّهم يرون في وقتنا الحالي أنّ الأوزان والضغوطات الهائلة للمادة المنصهرة المتحركة في جوف الأرض قد تكون السبب الرئيسي لتفجّر هذه البراكين.
واقترح ويلكوكس وزملاؤه أنّ إحدى الطرق الفعالة لنزع فتيل الانفجارات المحتملة تتمثل في الحفر بعمق 10 كيلومترات تقريباً أسفل القشرة الأرضية وضخ المياه المضغوطة، التي ستعود إلى الأعلى بدرجة حرارة تبلغ نحو 350 درجة مئوية (ما يعادل 662 درجة فهرنهايت)، مما سيسهم في استخراج الحرارة من الأرض والتخفيف من الضغط.
مؤشرات تحذيرية
يقول الخبراء إنّ المؤشرات التحذيرية ستكون واضحة مسبقا في حال كان البركان الهائل على وشك الثوران الكامل. وتقوم محطات الرصد في جميع أنحاء العالم بمراقبة الظواهر الزلزالية وتسجيلها، على الرغم من أنّ زلزال وتسونامي المحيط الهندي في عام 2004 أظهر أنه لا يزال من الصعب توفير تحذيرات عامة كافية بشأن الكوارث غير المتوقعة التي تقع بسرعة.
لكن التغطية الخاصة بمنطقة يلوستون أثارت العديد من الأسئلة عن التأهب العالمي في حال وقوع الكوارث. وتشير بعض التقديرات أنّ العالم يمتلك احتياطياً غذائياً يكفي لنحو شهرين ونصف، لكن كيف يمكن نقل هذه الاحتياطيات إلى أكثر المناطق احتياجاً لها إذا كانت السماء مليئة بسحب الرماد التي لا يمكن اختراقها؟
في عام 2005، اقترحت مجموعة العمل المعنية بالمخاطر الطبيعية التابعة لحكومة المملكة المتحدة إنشاء هيئة علمية دولية لتصنيف وتقييم ونشر الوعي بشأن المخاطر الطبيعية الإقليمية التي يمكنها التأثير على أكثر من دولة. وعلى الرغم من أن بعض الهيئات مثل الأمم المتحدة توفر منتديات خاصة لمثل هذه المناقشات، إلّا أنّ واضعي السياسات يتساءلون عما إذا كان هناك تعاون دولي كافٍ خارج نطاق المجموعات غير الحكومية والهيئات الاستشارية، للاستعداد للكوارث البركانية أو غيرها بدلاً من مجرد الاستجابة لها.
وفي الأثناء، يشير البروفيسور بيل ماغواير، مدير مركز أبحاث المخاطر في أيون بينفيلد بكلية لندن الجامعية وأحد أهم علماء البراكين ومؤلف كتاب "إيقاظ العملاق" عام 2013، إلى أن الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين قد تصبح أكثر شيوعاً. ويقول إن التغييرات التي تطرأ على الصفائح الجليدية القطبية نتيجة التغير المناخي الذي سببه البشر قد تؤدي إلى تحرك خطوط الصدع في القشرة الأرضية مما يُسهل تفجّر الحمم البركانية من تحتها.
ولم يشهد العالم ثوراناً لبركان هائل منذ 27 ألف عام وفقاً للمسح الجيولوجي الأمريكي؛ إذ أن البراكين العملاقة في فترة سُباتٍ طويلة، فهل ستكون الحكومات مستعدة عندما يصحو البركان التالي؟