English
s

ما هي أسباب الحوادث التي تقع للسيارات ذاتية القيادة؟

Driverless Cars

أصبحت السيارات ذاتية القيادة واقعا عمليا، بعد أن توقع انتشارها روّاد الخيال العلمي مثل "فيليب ك. دك" و"اسحق عظيموف" منذ فترة طويلة.

 

ويعود الفضل في إمكانية تحقيقها للحواسيب التي تستطيع معالجة كميات هائلة من البيانات بشكل سريع، وللإنترنت التي تسمح بنقل المعلومات من مركز البيانات للسيارة المتحركة بشكل أسرع من التفكير البشري.

 

وتعمل شركات، كمصنّعي السيارات المعروفين مثل "مرسيدس" و"بي إم دبليو"، وشركات جديدة في المجال مثل "غوغل" و"أوبر" و"تسلا" و"أمازون"، بنشاط لبدء عمليات الإنتاج التجاري للسيارات ذاتية القيادة.

 

إلا أن مؤيدي هذه السيارات تؤرقهم مسألة مستوى الأمان فيها. وباتت عناوين الأخبار التي تتناول مخاطرها دائمة الحضور منذ وفاة رجل خلف مقود سيارة نصف ذاتية القيادة في عام 2016.

 

مسألة حياة أو موت

 

أثار الحادث قلقاً كبيراً، على الرغم من أن الرجل الذي توفي لم يكن في مركبة ذاتية القيادة فعليا، بل كان يستخدم برنامج تسيير ذاتي في سيارته "تسلا إس"، وأشارت بعض التقارير إلى أنه كان يشاهد فيلماً ويقود بسرعة كبيرة بدلا من التحكم بمركبته.

 

إلا أن الأبحاث التي تمت مراجعتها من قبل متخصصين بشأن اختبارات السيارات ذاتية القيادة في كاليفورنيا عام 2016 أشارت إلى أن معظم الحوادث التي وقعت لم تكن نتيجة لعطل تكنولوجي، بل كان سببها عدم فهم السائقين للتصرفات المتحملة للمركبة.

 

وأشارت الدراسة إلى أن اعتياد السائق قد يكون أحد أسباب ارتفاع معدل الحوادث، مع ازدياد المسافة التي تقطعها السيارات ذاتية القيادة. ويشعر الركاب بالخوف من المخاطر المحتملة في بادئ الأمر، إلا أن اعتيادهم على وجود برمجية تقود المركبة تخفض سرعة استجابتهم عند حدوث خلل ما.

 

عصر من الارتباك

 

تحمست الحكومات والشركات لانتشار السيارات ذاتية القيادة، كونها تقدّم حلولا محتملة لمشكلات النقل في المدن في وقت يتزايد فيه توجه السكان نحو حياة المدينة، بالإضافة إلى مصادر جديدة للمنتجات والدخل التي توظّف أجيالاً مستقبلية.

 

لكن لا يبدو أن هناك تفكيرا جديا، على الصعيدين الوطني والعالمي، بالحاجة لوضع مجموعة من المعايير المعنوية والأخلاقية المشتركة للتقنيات الجديدة، توفّر الحد الأدنى أو "معياراً ذهبياً" لمستويات الخدمة والمسؤولية والسلامة التي ينبغي للأفراد أن يتوقعوها من هذه التقنيات ومطوريها.

 

وتقدم الولايات المتحدة مثالاً جيداً عن بعض العوائق التنظيمية المحتملة التي يمكن أن نجدها في دولة واحدة. وكشفت دراسة قامت بها شركة "راند" في عام 2016 أن "عدداً من الولايات، من بينها نيفادا وفلوريدا وميتشغان وكاليفورنيا (بالإضافة لواشنطن العاصمة)، اعتمدت تشريعات عدة تنظم استخدام [السيارات ذاتية القيادة]. كما تم اقتراح إجراءات في عدد من الولايات الأخرى".

 

وقال التقرير: "من مساوئ هذه المنهجية أنها قد تؤدي إلى وضع مجموعة من المتطلبات التنظيمية المتناقضة. كما لا تتضح ضرورة هذه الإجراءات، نظراً لعدم توفر هذه المركبات على الصعيد التجاري، وغياب المشكلات المسجلة الناتجة عن استخدام هذه التكنولوجيا على الطرق العامة".

 

ومن الناحية الإيجابية، نوّه التقرير بأن هذه المقترحات قد تشكل نقطة انطلاق للمناقشات الهامة التي ينبغي أن تجري بين الحكومة والأفراد بشأن هذه التكنولوجيا.

 

الجدل الأخلاقي

 

تتجلى ضرورة هذه المحادثات من خلال النقاشات المستخدمة في تحديد المخاطر. وتتضمن غالباً أنماطاً مختلفة لـ"معضلة الترام": "إذا شهدتَ وقوع حادث في وسيلة نقل عامة، بمن ستضحي لأجل الصالح العام؟".

 

على سبيل المثال، إذا كان انحراف مسار حافلة وقتل شخص واحد سينقذ حياة خمسة آخرين، فماذا عليك أن تفعل حينها؟ وتتطرق هذه النقاشات أحياناً لقضايا من قبيل فيما إذا كان هؤلاء الخمسة سجناء في طريقهم للسجن، أو أن يكون ذلك الشخص المنفرد يعاني من مرض ليس له علاج.

 

وعلى الرغم من أن هذه السيناريوهات قد لا تكون سارةً لمن يناقشها، إلا أن البعض يشير إلى أنها تساعد على دراسة الإشكاليات الأخلاقية التي قد تتضمنها التقنيات الجديدة. كما يذكّرون بمخاطر التحيز البرمجي ومخاطر السماح لخوارزميات غير منظمّة بالتحكم بالأفراد في حالات الحياة أو الموت.

 

تولي القيادة

 

حاولت ألمانيا إحراز تقدّم في هذا الجدال، باعتماد توصيات لجنة أخلاقية تم تشكيلها لدراسة المخاطر التي يتضمنها تصميم البرامج التي تتحكم بالسيارات ذاتية القيادة.

 

وتتضمن هذه التوصيات الإقرار بأن القيادة الذاتية ستصبح "ضرورة أخلاقية" إذا خفضت هذه الأنظمة معدل الحوادث، وأنه يجب عدم إعطاء منع الإضرار بالممتلكات الأولوية على الأضرار التي قد تلحق بالأفراد، وأنه في حالات الحوادث التي لا يمكن تجنبها، "يحظر التمييز بين الأفراد بناءً على مزايا شخصية (العمر والنوع والبنية الجسدية أو العقلية)".

 

وسيساعد التعاون العالمي في صياغة معايير دولية لهذه التطورات التكنولوجية وغيرها، مثل الاستنساخ والتعديل الوراثي والاستخدام المسؤول لوسائل التواصل الاجتماعي، ووضع معايير ذهبية للمشّرعين، قد تحددها نماذج لأفضل الممارسات المدعومة بالأبحاث التي تمت مراجعتها من قبل متخصصين. ولكن هل ستقبل الشركات والحكومات بها؟

 

ونظراً لحرص الدول والشركات على الحفاظ على المزايا التنافسية، وتفضيل الشركات لبيئات تنظيمية أقل صرامةً، فقد يصعب الوصول لتوافق في الآراء بشأن مبادئ موحدة لهذا القطاع سريع التطور.