English
s

ما مدى سوء جرائم الـ"بيتكوين"؟


مع الارتفاع الملحوظ لقيمتها، برزت العملة الرقمية "بيتكوين" من العالم الغامض للأشخاص الشغوفين بالتكنولوجيا لتصبح موضوعاً مثيراً لاهتمام الجميع.

 

وعلى الرغم من الاعتراف المتزايد بها، إلّا أن الغموض ما زال يكتنف منشأ الـ"بيتكوين"، وما زالت تعتبر موضعاً للشبهات من قبل جماعات إنفاذ القانون والعديد من هيئات الرقابة المالية.

 

اخترعت البيتكوين في بداية الألفية الثانية ساتوشي ناكاماتو، وهو على الأرجح اسم مستعار، باعتبارها آليةً لإتمام التعاملات بشكل مباشر بين الأقران. وسرعان ما جذبت إليها الأشخاص الشغوفين بالرياضيات والحاسوب.

 

لكنها جذبت أيضا، بفضل عدم القدرة على تعقب تعاملات المجرمين بشكلٍ سريع، تجار السلاح غير الشرعيين ومهربي المخدرات وغاسلي الأموال والخاطفين والمبتزين.

 

وبقيت الـ"بيتكوين" وغيرها من العملات الرقمية منذ ذلك الوقت، إلى حدٍّ كبير، في الفضاء الرقمي بعيدةً عن سلطة إنفاذ القانون وعن متناول المشرعين الماليين.

 

وفي ظلّ الارتفاع الذي تشهده العملات الرقمية -والمخاوف من نشوء فقاعة سوقيّة من شأنها أن تهدد استقرار الأنظمة المالية إن بقيت بعيدة عن الرقابة-، بات واضعو السياسات يوجهون اهتمامهم بشكلٍ متزايد إلى الأموال الإلكترونية ويفكرون بالضوابط والتوازنات الرقابية التي ستردع استخدامها لأغراض إجرامية.

 

هل تؤتي الجريمة ثمارها؟

 

لن تضطروا للقيام بالكثير من البحث لمعرفة سبب جذب الـ"بيتكوين" للجريمة المنظمة.

 

بدايةً، فإنّ عناوين مستخدمي الـ"بيتكوين" لا ترتبط بهويات لأفراد أو شركات، ويصعب تعقب الأشخاص أو المجموعات التي تكون خلفها. وتقوم تكنولوجيا التعاملات الرقمية "بلوك تشاين"، التي تشكّل أساس العملات الإلكترونية، بتدقيق كلّ التعاملات والحفاظ على سجلٍّ كاملٍ لها، مما يتيح للمستخدمين معرفة ما تلقوه بالضبط من دفعات بالإضافة إلى تواريخها. وبمجرّد تأكيد التعاملات الخاصة بالـ"بيتكوين" فلا يمكن الرجوع عنها.

 

وعلاوةً على ذلك، فإنّ فكرة تشفير هذه العملة -مثل غيرها من الخيارات الإلكترونية بما فيها "ريبل"- تمنح المستخدمين شعوراً إضافياً بأنّ تعاملاتهم وهوياتهم في مأمن. وهو بالضبط ما يسعى إليه المجرمون، أي إخفاء هوياتهم.

 

ويصعب تحديد القيمة السوقية الإجرامية الحقيقية للعملات الإلكترونية بشكل دقيق، ويعتقد بعض الخبراء أنّ الدافع الوحيد وراء استخدامها ونموها يكمن في قدرتها على تأمين خدمات دفع مناسبة للمجرمين.  

 

وتتضمن أحدث الأنشطة الإجرامية التي دُفعت قيمتها بالعملات الرقمية فدية بقيمة مليون دولار أمريكي لإطلاق سراح أحد المتاجرين بالـ"بيتكوين" كان قد اختطف في أوكرانيا في ديسمبر عام 2017. من جهة أخرى تعتزم الحكومة الأمريكية بيع 512 "بيتكوين" و513 "بيتكوين كاش" (نتاج العملة الأصلية) قامت بضبطها من تجار المخدرات وغاسلي الأموال، وبلغت قيمة مبلغ الـ"بيتكوين" وحده حتى وقت كتابة هذا المقال أكثر من 7.5 مليون دولار أمريكي.

 

يُدعى أشهر مجرمي الـ"بيتكوين" المدانين "روس أولبريخت"، حيث قام باستخدام العملة في مبيعات مخدرات غير قانونية على موقع "الإنترنت المظلم" المدعو "سيلك رود" (Silk Road). وبلغت ثروته الشخصية من عملة الـ"بيتكوين" ما لا يقل عن28.5  مليون دولار استولى عليها مكتب التحقيقات الفيدرالي لاحقاً. ويقدر العاملون في مجال إنفاذ القانون إجمالي قيمة التعاملات التي تمت عن طريق موقع "سيلك رود" بنحو 1.2 مليار دولار أمريكي في الفترة ما بين عامي 2011-2013.

 

ما بعد الـ"بيتكوين"

 

يتحول التعامل بالـ"بيتكوين" تدريجيا إلى مخاطرة بالنسبة للمجرمين. ففي البداية، أسهم تقلبها وكونها فقاعة سوقية قد تنفجر في أي لحظة، في التقليل من جاذبيتها، بينما أصبح العاملون في إنفاذ القانون أكثر مهارةً في تعقب المجرمين الذين يحاولون إخفاء آثارهم.

 

فمن السهل أن ننسى أنّ محو البصمة الإلكترونية عل سبيل المثال أصعب من محو البصمة العادية. كما أصبحت جهات إنفاذ القانون أكثر مهارةً في استخدام تقنيات التعاملات الرقمية "بلوك تشاين" التي تشكّل أساس الـ"بيتكوين"، وتقوم "بلوك تشاين" بتدقيق التعاملات وتعقبها بهدف الوصول إلى بيانات عامة متاحة للجميع.

 

ونتيجةٍ لذلك، تفيد التقارير بأنّ المجرمين بدأوا باستخدام عملاتٍ أخرى ذات مزايا تجعل تعقبها أكثر صعوبة. ووفقاً لـوكالة تطبيق القانون الأوربية "يوروبول" فإنّ العملات الرقمية الأخرى مثل "مونيرو" و "إيثيريوم" و"زي كاش" باتت تحصل على شعبية أكبر في أوساط "العالم السفلي الرقمي"، على الرغم من أنّ الـ"بيتكوين" مازالت مفضلةً لدى المجرمين الإلكترونيين.

 

المصدر: "شوترستوك"

 

مسألة تشريعات

 

تقود المخاوف بشأن النمو المفاجئ لقيمة العملات الرقمية وكيفية تداولها المشرعين إلى التركيز بشكل أكثر صرامة على بعض جوانب تداولها، لكن ما زالت محاولات فرض رقابة عالمية على الأنشطة غير القانونية المتعلّقة بها في مراحلها الأولى.

 

وأعلن كلٌّ من الاتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية عن خططٍ لتنظيم العملات الرقمية بشكلٍ أكثر صرامة عبر تشريع سيصدر قريباً بحيث لا تستخدم في غسيل الأموال والتهرب الضريبي.

 

وبموجب خطة الاتحاد الأوروبي، سيتوجب على منصات التجارة الإلكترونية اتّخاذ الإجراءت اللازمة تجاه عملائها والتبليغ عن التعاملات المشبوهة، بينما تقوم المملكة المتحدة بتعديل توجيهاتها المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال لضمان إشراف الهيئات الرقابية على تعاملات العملات الإلكترونية.

 

خدعة "آل كابوني"

 

في هذه الأثناء، اقترح الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي أن يقوم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بإنشاء سجلٍ عالمي للأصول المالية لتحديد المالكين الفعليين، بهدف المساعدة في مكافحة التهرب الضريبي والاحتيال. ويمكن لهذا السجل أن يشمل العملات الإلكترونية.

 

وفي الوقت ذاته، تملك الحكومات حول العالم سلاحاً مجرباً ضد المجرمين الذين يتلقون أجورهم بالعملات الإلكترونية وهو: ضريبة الدخل. مثلا أفلت رجل العصابات سيء السمعة في شيكاغو "آل كابوني" من قبضة العدالة لكلّ أنواع الجرائم بدءاً من التهريب وانتهاء بالقتل، لكن تمت إدانته أخيراً وأودع في السجن عام 1931 بسبب التهرب الضريبي.

 

وربما سيضطر العالم إلى اللجوء للحلول القديمة والمجربة لمراقبة هؤلاء المجرمين ريثما يطور واضعو السياسات استراتيجية للتعامل مع الجرائم المتعلّقة بالعملات الرقمية.