English
s

كيف يمكننا أن نضمن سعادة الأجيال المقبلة من خلال التعليم؟

Teaching Happiness ara

يعاني 10 – 20% من الشباب وصغار السن من مشكلات تتعلق بالصحة النفسية نتيجة معاناتهم من ضغوط الحياة.

 

وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن نصف مجموع الأمراض النفسية تبدأ بعمر 14 عاماً، وثلاثة أرباعها في منتصف العشرينات.

 

وفي حال لم يتم علاجها، فقد تؤثر هذه الحالات بشكل سلبي على نمو الأطفال وتعليمهم واحتمالية عيشهم حياة مثمرة ومنتجة.

 

لكن رغم هذه الخلفية القاتمة، فإن هناك أدلة متزايدة تبيّن أن التعليم الإيجابي –الذي يمزج التعليم وجودة الحياة– قد يساعد على تحسين نظرة الأطفال للعالم ولأنفسهم.

 

بإمكانكم تعليم جودة الحياة

 

تؤدي المدارس دورا حاسما هنا، إذ يقضي الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 سنوات و18 عاماً معظم وقتهم فيها، وفقا لما ذكرته ليا واترز، رئيسة الرابطة الدولية لعلم النفس الإيجابي.

 

وقالت واترز في القمة العالمية للحكومات 2018 التي انعقدت في دبي إنه يمكن للمدارس التي تدير برامج لجودة الحياة أن تعزز الصحة النفسية لطلابها.

 

كما تحظى أدمغة الصغار في هذه المرحلة العمرية بالقدرة الأكبر على التغير والتطور، وهو ما بات يعرف بـ "المرونة العصبية". وتتراوح الفترتان الرئيسيتان لهذا التطور بين الولادة وحتى الوصول إلى عمر السادسة، وبين سن 12 عاماً وحتى الـ26 عاماً من العمر.

 

وقالت واترز: "تعد سنوات المراهقة السنوات التي من المرجح أن نعاني فيها من اضطرابات نفسية"، مضيفة أن الدماغ يكون أكثر انفتاحاً في هذه الفترات أيضاً، وأنها تمثل "الوقت المثالي لتشكيل دماغ يتمتع بالصحة".

 

ويجعل هذا الأمر من سنوات المراهقة فترة حاسمة لتعليم جودة الحياة، وأردفت واترز: "يتطلب تعلّم الرياضيات أو الجغرافيا العمليات العقلية ذاتها التي يتطلبها التعلّم عن الصحة النفسية".

 

ولهذا السبب تقوم العديد من المدارس حالياً بتدريس جودة الحياة.

 

وقالت واترز: "عندما يتم تدريس الطلاب المهارات اللازمة للمرونة وسهولة التكيف، تكون صحتهم النفسية أفضل، وقد حصلنا على الأدلة من التجارب، إذ تُبيّن لنا أكثر من 300 دراسة علمية أنه يمكننا أن نعلّم جودة الحياة".

 

 

 

هل هي أسعد أيام حياتهم؟

 

رأي واترز لقي صدى في القمة أيضا من قبل نجمة هوليوود غولدي هون، التي أسست قبل 15 عاماً برنامج "مايند أب!"، وهو منهج دراسي يستخدم أحدث المعلومات عن الدماغ لتحسين سلوك الطلاب وتعلّمهم.

 

وطلبت هون من الخبراء في مختلف أوجه مجال جودة الحياة، كالامتنان وبناء التعاطف والتأمل والوعي التام، أن يقوموا بوضع منهج دراسي للمدارس.

 

ويتخذ برنامج "مايند أب!" نهجاً بيولوجياً إزاء المرونة وسهولة التكيف من خلال تعليم الأطفال عن طريقة عمل الدماغ. وقالت هون في هذا السياق: "تاريخيا، يتعلم الأطفال طريقة عمل العضلات لكنهم لا يتعلمون طريقة عمل الدماغ".

 

وتابعت: "يدرك الأطفال الذين خضعوا لبرنامج التعلّم الآن ما يحدث في الدماغ، كما يدركون أن نشاط اللوزة الدماغية لديهم، وهي الجزء من الدماغ الذي يطلق هرمونات التوتر عندما يكونون خائفين أو غاضبين، قد يكون في حالة قصور. ونحن نطلق على هذا اسم ’نباح الكلب‘، حيث يتعلمون كيفية تهدئته بواسطة نوع خاص من التنفس".

 

واستطردت هون: "عندما يقومون بتهدئة ’نباح الكلب‘ تضيء قشرة الفص الجبهي لديهم، أو ما نسميها ’البومة الحكيمة‘، أي الجزء الصغير من الدماغ الذي يساهم باتخاذ قرارات أفضل".

 

واختتمت: "كانت النتائج غنية عن الشرح إذ أصبح 83% من أطفالنا قادرين على جعل أنفسهم أكثر سعادة. وقد استطعنا تحقيق السعادة في الفصل الدراسي أكثر من أي وقت مضى".

 

تمويل جودة الحياة

 

قد يكون إقناع الحكومات بالاستثمار في هذا النوع من التعليم أمراً صعباً.

 

قد يقول الكثيرون إن جعل الأطفال سعداء سبب كافٍ، لكن يتعين على الوزراء تبرير ميزانياتهم بالنتائج. ويعد التقرير المتعلق بسياسة السعادة العالمية لعام 2018 الذي تم إصداره مؤخراً أداة يمكنها مساعدة الحكومات على القيام بذلك.

 

وأظهرت ثلاث دراسات واردة في التقرير أنه يمكن للتدخل الإيجابي أن يرفع مستوى التحصيل ومستويات السعادة على حد سواء.

 

من جانبه أجرى أليخاندرو أدلر، الطبيب في مركز علم النفس الإيجابي في جامعة بنسلفانيا، دراسات في بوتان والمكسيك والبيرو، حيث درب معلمين في هذه المناطق على التدخل الإيجابي، وعاد بعد ذلك بعامين ليكتشف تأثير ذلك على السعادة والامتحانات الوطنية الموحدة.

 

وقال مارتن سيليغمان، مدير مركز علم النفس الإيجابي الذي قدّم نتائج دراسة أدلر في القمة: "ارتفعت مستويات السعادة في المدارس التي تم تدريس السعادة فيها، كما حظيت المدارس التي يتعلم الأطفال فيها جودة الحياة بإلمام أعلى، وبشكل ملحوظ، بالقراءة والكتابة وتعلم الحساب والفهم العلمي".

 

وأضاف: "يعد هذا الدليل الأكثر إقناعاً، فقد وجدنا أن التدخل الإيجابي ليس أمراً جيداً بحد ذاته فحسب، بل حتى إذا كان اهتمامنا الأوحد هو متوسط الدرجات الدراسية، فعلينا القيام به".

 

مقاييس حاسمة

 

قال سيليغمان إننا بحاجة إلى إجراء قياسات علمية لنتائج هذه المبادرات قبل أن تستثمر الحكومات فيها.

 

وأضاف: "نحن بحاجة لقياس مصداقية المبادرات؛ هل نقوم بها بشكل جيد؟ يتعين علينا تحليل التكاليف والفوائد لبيان تكلفتها وماهية المنافع المالية طويلة الأجل، ونحتاج أخيراً إلى القيام بذلك على مدى فترة زمنية طويلة وفي مختلف المناطق".

 

وتابع: "يود الجميع أن يجعل الأطفال سعداء. حسنا، يبدو أن هناك تقنيات تم التحقق منها تعزز سعادتهم في الحياة".

 

واختتم: "لدينا قضية تتعلق بالسعادة والإنجاز، وهي بارقة أمل لمستقبل شبابنا".