English
s

تمويل المُستقبل: هل يُعتبر الاستثمار في التعليم الجامعي مُجدياً؟

Universal Education

يمكن اعتبار جمع تبرعات بقيمة 30 مليون دولار أمريكي خلال ثلاثة أشهر إنجازا تفخر به أي جمعية خيرية.

 

هذا ما نجحت جامعة "براون" الأميركية المرموقة بالقيام به بعد أن أعلنت عن نيتها وقف العمل بالقروض الطلابية والبدء بتقديم المنح عوضاً عن ذلك.

 

ويجسّد المبلغ الذي تبرع به أكثر من 2,000 طالب من الطلبة السابقين دليلاً واضحاً على أهمية التعليم الجامعي بالنسبة لأولئك الذين استفادوا منه.

 

وفي هذا السياق، قالت رئيسة جامعة "براون" كريستينا باكسون: " كان التجاوب مع ’وعد براون‘ مُذهلاً بكلّ ما للكلمة من معنى، إذ سترفع هذه المبادرة مستوى المساعدات المالية الجامعية، وستساعدنا على فعل المزيد لصالح الطلبة والعائلات من ذوي الدخل المتوسط؛ كما أنها تعزز التزامنا بضم أفضل وألمع الطلاب إلى صفوف جامعة ’براون‘ بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية-الاقتصادية".

 

وهنا تكمُن المشكلة، فعلى الرغم من كون الدراسة أمراً مُجدياً، إلّا أنّ بعض الأشخاص ما زالوا غير قادرين على تحمل تكلفتها، كما أن الحكومات لا تملك القدرة أو الرغبة دائماً على تقديم الإعانات في مجال التعليم.

 

هل نجعلهم يدفعون أم لا؟

 

على الرغم من تكاليف التعليم، إلا أن الطلب عليه ينمو باضطراد في جميع أنحاء العالم، ومن ذلك أن التحصيل الجامعي بات هو العرف السائد. فعلى سبيل المثال، يتابع أكثر من 50 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25-34 سنة في كلّ من كوريا وكندا وروسيا والمملكة المتحدة تحصيلهم العلمي في المرحلة الجامعية.

 

لكن توجد تفاوتاتٌ كبيرة في الرسوم الدراسية بين مُختلف الدول، إذ أنّ نحو ثُلث الدول في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا تفرض رسوماً على درجة البكالوريوس أو ما يعادلها. من جهة أخرى أظهرت البيانات المأخوذة من تقرير "لمحة عن التعليم" الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنّ دولاً مثل الولايات المتحدة وأستراليا وكندا وتشيلي واليابان وكوريا الجنوبية تفرض رسوماً دراسيةً سنويةً بأكثر من 4,000 دولار أمريكي.

 

وسجّلت الولايات المتحدة الأمريكية أعلى متوسط للرسوم الدراسية السنوية من بين كلّ دول العالم، بمبلغ وصل إلى 8,200 دولار أمريكي سنوياً للمؤسسات العامة، بينما لا تتعدى الرسوم المماثلة في إسبانيا وإيطاليا والبرتغال الـ2,000 دولار أمريكي في العام الواحد.

 

في المقابل، يحصل الطلبة في بعض الدول الاسكندنافية على المال لقاء التحاقهم بالجامعة، حيث يتلقون رواتب من الحكومة خلال فترة دراستهم. كما يحقّ للعديد من الطلبة الدنماركيين الذين يدرسون في مناطق تبعد عن مناطق سكنهم الحصول على مبلغٍ شهريٍ قدره 1050 دولار أمريكي لمساعدتهم في تغطية تكاليف المعيشة.

الحفاظ على المعايير

 

تعتمد قدرة بلد ما على تقديم الإعانات المالية في مجال التعليم بشكل رئيس على كلّ من عدد ونسبة الشريحة الشابة من سكانّها التي تتابع تحصيلها العلمي الجامعي. ومن الممكن أن تصل هذه النسبة إلى 50 في المائة في بعض الدول الغربية، إلّا أنّها أقلُّ بكثير في ألمانيا مثلا حيث يتمّ التركيز بشكل كبير على التدريب المهني.

 

وفي الواقع، تمكّنت ألمانيا من إلغاء الرسوم الدراسية تماماً في عام 2014 حتى للطلبة الأجانب. كما ينتشر نظام دفع الشركات رواتب للطلبة أثناء فترة دراستهم على نطاق واسع في ألمانيا كذلك، حيث يجمع الطالب بين التدريب العملي في مكان العمل مع الفصول الدراسية التي يتم قضاؤها في الجامعة.

 

ومع هذا، فقد يؤدي عدم فرض الرسوم الدراسية إلى نتائج عكسية في حال عدم وجود استثمار ملائم من قبل الحكومات. وعندما يحدث هذا الأمر، فإنّ الجامعات تُخاطر بعدم قدرتها على الحفاظ على جودة التعليم.

 

ويُشير منتقدو قرار إلغاء الرسوم الدراسية في ألمانيا إلى أنّ أكثر الطلاب والأساتذة موهبةً باتوا يتجهون إلى صفوة الجامعات في أماكن أخرى. وتحتل جامعة "إل إم يو ميونيخ"، الأفضل في ألمانيا، المركز الثلاثين بين أفضل الجامعات في العالم على قائمة "التايمز" للتعليم العالي. ويعود هذا كما يقول البعض، بشكل جزئيٍ على الأقل، إلى كمية الاستثمار الذي تتلقاه الجامعات الألمانية.

 

الفوائد المحققة في جميع أنحاء الدولة

 

تظهر فوائد التعليم الجامعي على الفرد بشكل واضح: إذ يتمتع الحاصلون على شهادة تعليم عالٍ بأرجحية تبلغ عشر نقاط للحصول على الوظائف، كما أنّهم سيجنون أكثر بنحو 56 في المائة من أولئك الذين أتموا التعليم الثانوي فقط. لكن من السهل نسيان الفوائد التي يقدمها التعليم الجامعي على البلاد ككل.

 

فالأشخاص الذين يجنون مالاً أكثر يدفعون ضرائب أعلى، ومن غير المرجح أن يكونوا عبئاً على الدولة، لأنّه من غير المرجح أيضاً أن يبقى خريجو الجامعات عاطلين عن العمل أو حتى أن يقعوا ضحاياً للأمراض النفسية.

 

وقال الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أنخيل غوريا، في تعليقه على الموضوع: "من شأن التعليم العادل وعالي الجودة أن يؤدي إلى تحقيق الطموحات الشخصية فضلاً عن النمو الاقتصادي. فهو يُعتبر أساس النهوض بالتنمية والحد من التفاوتات الاقتصادية، كما يُسهم في خلق مجتمع يشمل الجميع".

 

وبما أنّ التعليم الجامعي يعود بالفائدة على البلد ككل وعلى الفرد كذلك، فمن الضروري اتخاذ القرارات الصحيحة المتعلقة بالسياسات وذلك لضمان حصول الجامعات على التمويل الكافي؛ وعندها فقط سنتمكّن من تحقيق استدامة الدورات التعليمية التي تتسم بقيمة عالية، التي ستعمل بدورها على تحضير الخريجين المؤهلين للانضمام إلى القوى العاملة.