English
s

الأمن الغذائي يبدو مختلفاً للغاية بحسب مكان تواجدك

The Conversation food security depending on where you are sitting Shutterstock 404140969

أعلن مؤتمر الأغذية العالمي عام 1974: "لكل رجل وامرأة وطفل حق، غير قابل للتصرف، في أن يتحرر من الجوع وسوء التغذية لكي ينمي قدراته الجسدية والعقلية إنماء كاملا ويحافظ عليها ". وحدد المؤتمر القضاء على الجوع، وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية كأهداف يسعى لتحقيقها خلال عقد من الزمن.

 

وبعد مضيّ عقدين من الزمن وفي عام 1996، أجمع مؤتمر القمة العالمي للأغذية على اعترافٍ صريح بأنه لم يتم تحقيق هذا الهدف. واجتمع أكثر من 10 آلاف مشارك من 195 بلداً في روما، وحددوا على مدى خمسة أيام من النقاشات المكثفة هدفاً يتمثل في تخفيض عدد المصابين بنقص التغذية بمقدار النصف بحلول موعد لا يتجاوز عام 2015. وتم تعريف الأمن الغذائي في بيان جاء فيه: "الأمن الغذائي يتحقق عندما يتمتع البشر كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول، من الناحيتين المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبى حاجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية كي يعيشوا حياة موفورة النشاط والصحة ".

 

وحددت القمة خطة عمل من سبع نقاط، تشمل إدارة نمو السكان والهجرة، والحد من الفقر، وتعزيز السلام والاستقرار. وإن الأهداف الطموحة التي لم يتم تحقيقها إلى الآن والتي جاءت على عكس معظم التوقعات المستقبلية، تبيّن أن الأمور ستزداد سوءاً.

 

لقد بدأتُ قبل أربعة أعوام العمل في عالم أبحاث الأمن الغذائي، وإن كان هناك شيء واحد تعلمتُه فهو أن الأمن الغذائي أمر معقد. وإليكم بعض العوامل التي جعلت من الصعب جداً تحقيق تلك الأهداف الطموحة.

 

النمو السكاني: يبلغ عدد سكان العالم حالياً 7.4 مليار نسمة ويزداد هذا الرقم بسرعة، إذ من المتوقع أن يصل عددنا إلى 8.5 مليار نسمة بحلول عام 2030، و9.7 مليار نسمة في عام 2050، و11.2 مليار نسمة في عام 2100. ومن المتوقع في الوقت ذاته أن ترتفع مستويات الدخل. ومن أجل تغذية هذا الشعب الضخم والأكثر ثراءً، فمن المتوقع بالتالي أن يزداد الطلب على الأغذية بنسبة 70 في المائة بحلول عام 2050. ومع ذلك، فليس من المتوقع توزيع النمو أو الزيادة في الثروة بالتساوي، إذ تشير التوقعات إلى أن دول الهند والصين وأفريقيا ستشكل حصة متزايدة من سكان العالم، ومن المتوقع أن تشكل الهند والصين نسبة وقدرها 50 في المائة من استهلاك الطبقة الوسطى العالمي بحلول عام 2050، ما يعني أن الطلب على الغذاء سيكون أكبر بشكل بديهي في تلك المناطق التي تضم عدداً أكبر من السكان. كما من المرجح أن يكون هناك زيادة في الطلب على الأنماط الغذائية الغربية الأقل صحةً ومراعاةً للبيئة في الدول التي ستشهد زيادة في ثروتها.

تغير المناخ: ستتأثر قدرتنا على توفير الغذاء لهذا العدد المتزايد من السكان تأثراً شديداً بالمناخ المتغير. وتشير التوقعات الحالية للاحتباس الحراري إلى زيادة في درجة الحرارة تتراوح بين 0.6 درجة مئوية وصولاً إلى أربع درجات مئوية بحلول عام 2099. ووضع اتفاق باريس للمناخ خطة عمل عالمية للحد من الاحتباس الحراري في هذا القرن وصولاً إلى درجتين مئويتين. وسيكون تحقيق هذا الهدف صعباً في ضوء تصريح دونالد ترامب (بفترة ما قبل الانتخابات على الأقل) بأنه سيلغي الاتفاق، وأيضاً بالنظر إلى الزيادة المتوقعة في الطلب على الغذاء إذ تشكل الأغذية الزراعية نسبةً تبلغ نحو 30 في المائة من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة.

 

ومع ذلك، لن تتوزع تأثيرات هذه التغيرات المتوقعة بالتساوي. لقد صمم مكتب الأرصاد الجوية أداةً تتيح لنا البحث في آثار تغير المناخ على انعدام الأمن الغذائي، ما يدل على أن أفريقيا في جميع السيناريوهات هي الأكثر عرضةً لانعدام الأمن الغذائي. ولكن تعدّ بعض الدول حتى داخل أفريقيا أكثر ضعفاً من غيرها، إذ تعتبر النيجر والصومال وموريتانيا البلدان الأكثر ضعفاً، وجنوب أفريقيا والجزائر الأقل تأثراً.

 

وباستخدام الأداة نفسها يمكننا أن نرى مستويات متوسطة حالياً من الضرر نتيجة انعدام الأمن الغذائي في آسيا، إذ تعدّ كل من منغوليا والفيلبين الأكثر ضعفاً. وفي ظل العديد من سيناريوهات تغير المناخ، تزداد حدة هذا الضرر في جميع أنحاء آسيا، وتعكس دول مثل بورما وبابوا غينيا الجديدة أكبر مستويات زيادة حدة الضرر. وتعني هذه النتائج أنه يتوجب على النطاق المكاني الذي نعتبر الأمن الغذائي فيه هاماً للغاية، وخطط التخفيف التي بالإمكان وضعها قيد التنفيذ للتعامل مع أوجه الضعف، أن تأخذ هذه الفروق الجغرافية بالحسبان.

سوء التغذية: يواجه العالم حالياً عبئاً مزدوجاً يتمثل بسوء التغذية والذي يشمل نقص التغذية والبدانة على حد سواء، إذ كان أكثر من 1.9 مليار شخص بالغ في جميع أنحاء العالم يعانون من زيادة الوزن عام 2015، بينما كان 462 مليون من سكان العالم يعانون من نقص الوزن. ولا تتواجد هذه الفجوة ببساطة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، إذ تشهد البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل حالياً ارتفاعاً في السمنة في مرحلة الطفولة وبنسب أكبر من تلك المسجلة في الدول الغنية. ويرتبط ذلك بزيادة الثروة والتغيرات في الأنظمة الغذائية التي تمت مناقشتها في السابق.

 

الحلول

 

بالنظر إلى هذه المشاكل، ستحتاج الدول المختلفة إلى حلولٍ مختلفة. وسيتعين على أفريقيا التصدي للعبء المزدوج المتمثل في زيادة عدد السكان ومخاطر الجفاف، كما يجب أن تركز الحلول في أفريقيا على التكثيف المستدام مع إيجاد حلول أفضل لزيادة الغلة والحد من النفايات الناتجة عن الآفات والأمراض والتخزين. ويتمثل أحد الحلول التكنولوجية في تطوير محاصيل مقاومة للجفاف، على الرغم من الجدل الدائر حول مدى نجاعة هذا الأمر، ولا تتمثل المشكلة هنا بالتكنولوجيا بل بكيفية توزيعها.

 

ووفقاً لمجلس النبات العالمي، فعلى الرغم من استخدام بعض المزارعين لهذه الأنواع المقاومة للجفاف بنجاح (خمسة ملايين من المزارعين من أصحاب المزارع الصغيرة في عام 2014)، فإن اعتماد هذه البذور يتباين من بلدٍ إلى آخر. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المزارعين لا يعلمون بتوافر هذه البذور، كما أن البعض الآخر منهم غير قادر على الحصول عليها أو تحمل كلفتها.

 

وينشغل الخبراء في العالم المتقدم بالمخاطر الصحية المرتبطة بالبدانة، ويجب أن ينصب تركيزنا على التغذية المستدامة. إن هناك الكثير من الأدلة على أن الأنظمة الغذائية التي تعدّ صحية بشكل أكبر بالنسبة لنا كأفراد هي أفضل أيضاً بالنسبة للبيئة. ولم يتم إلى الآن تحديد "نظام غذائي مثالي"، ولكن وفقاً للتقرير الصادر في عام 2014 عن شبكة الأبحاث المعنية بالأغذية والمناخ، فإن الأثر على البيئة يقل كلما انخفض محتوى اللحوم والأسماك والألبان في النظام الغذائي. ومع ذلك ومن وجهة نظر متعلقة بالتغذية، فإن هذا الأمر يعني وجوب تعويض انخفاض استهلاك اللحوم بزيادة في كمية وتنوع الحبوب الكاملة والفواكه والخضروات والبقوليات.

 

وعلينا أيضاً أن نكون حريصين من ألا تؤدي متطلبات النظام الغذائي في بلد ما إلى تفاقم المشاكل في بلدان أخرى، وألا نقوم بتحويل أعباء الإنتاج من مكان إلى آخر. ويمكن تحقيق هذا الأمر من خلال استخدام تقييم دورة الحياة (LCA) على سبيل المثال، إذ يهدف تقييم دورة الحياة إلى معالجة الجوانب البيئية والآثار البيئية المحتملة (على سبيل المثال: استخدام المصادر والآثار البيئية المترتبة على انبعاثات الملوثات) طوال دورة حياة المنتج بدءاً من اقتناء المواد الخام، وصولاً إلى الإنتاج، والاستخدام، والعلاج في نهاية الحياة، وإعادة التدوير والتخلص النهائي. ومع ذلك، يعد تقييم دورة الحياة نهجاً عاماً يمكن تطبيقه على أي منتج، ونتيجةً لتعقيدات النظام الغذائي، يجب أن يكون مصمماً ليتم استخدامه على نحو أكثر فعالية.

 

ويتمثل الحل "البسيط" لمسألة الأمن الغذائي بأن نطالب جميعنا بكميات أقل، وبأن نأكل على نحو أكثر استدامة، وأن نكون أكثر حذراً عند استخدام مواردنا. ومن الواضح أن الحديث عن الأمر أسهل بكثير من القيام به، ومن الصعب علينا أن نصدق مدى أهمية آثار شرائنا لعلبةٍ إضافية من البسكويت بحال وجود الكثير من الطعام في المتاجر الكبرى، كما أننا قد نكون مستائين من احتمال ارتفاع سعر مدهون المارمايت (Marmite).

 

ولا يؤمن القادة المستقبليون في بعض الدول بتغير المناخ، ومع أن احتمال عدم توافر مدهون المارمايت قد يكون مفزعاً، ولكن يجب أن نأخذ بالحسبان أن الدول الأخرى تعاني بالفعل من أعباء انعدام الأمن الغذائي، وإن تركيز مصادرنا نحو إيجاد حلول في هذه الدول سيكون أمراً مفيداً لنا على العديد من المستويات.

 

إن هذه المقالة هي جزء من سلسلة أصدرتها "ذا كونفيرزيشن" (The Conversation) حول الأمن الغذائي. بإمكانكم قراءة مقالات أخرى عبر النقر هنا.