مؤشر التنويع الاقتصادي العالمي لعام 2023
لطالما كان التنويع الاقتصادي موضوعاً سياسياً رئيسياً للدول المنتجة للسلع الأساسية، بهدف استقرار الاقتصاد، وتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية، وإيجاد فرص عمل جديدة مع تنشيط القطاع الخاص، واستدامة التمويلات الحكومية بدرجة أكبر. ورغم تركيز الأبحاث التي تتناول التنويع الاقتصادي على محدداته وتأثير السياسات على التنمية الاقتصادية، فلا يوجد حتى اليوم مؤشر متفق عليه ولا مقياس موحَّد للتنويع الاقتصادي. ولم يظهر أول إصدار من "مؤشر التنويع الاقتصادي العالمي" إلا في العام 2022، حيث تم فيه قياس وتصنيف الدول على أساس مدى تنويعها الاقتصادي من عدة زوايا، إذ تم استقصاء مدى التنويع الحادث في الأنشطة الاقتصادية وفي التجارة الدولية وفي الإيرادات الحكومية (بعيداً عن الاعتماد على الموارد الطبيعية أو عائدات السلع).
يعتمد مؤشر التنويع الاقتصادي فقط على المؤشرات الكمّية، مع عدم وجود مؤشرات استقصائية أو تصورات، وبالتالي يتم توفير معيار كمّي وترتيب عالمي للتنويع الاقتصادي للدول، باستخدام 25 مؤشراً وبيانات ومعلومات متاحة بشكل عام. واليوم يأتي هذا الإصدار من "مؤشر التنويع الاقتصادي" لتوسيع نطاق التغطية ليشمل 105 دولة، عن فترة زمنية ما بين العام 2000 والسنوات التي تأثرت بأزمة كوفيد-19، وهما العامان 2020 و2021، بما يتيح إجراء مقارنة بين الدول وعلى المستوى الإقليمي والدولي ووضع تصنيف للدول المعتمدة على السلع الأساسية.
ظلت الولايات المتحدة والصين وألمانيا محتفظة بالمراتب الثلاث الأولى في هذا الإصدار من مؤشر التنويع الاقتصادي، ولم يكن هناك فارق نقاط بين الدول التي احتلت المراتب من الرابع إلى العاشر إلا 6 نقاط فقط، مما يوضح قوة التنويع الاقتصادي بين الدول ذات التصنيف العالي. وخلال نفس الفترة، ظلت ثلاث دول من الدول المنتجة للنفط ضمن أدنى 10 دول، بينما سجلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحسناً في أواخر العقد الماضي (مدعوماً بتسريع خطط التنويع لدى العديد من الدول المنتجة النفط). وظلت الدرجات والتصنيفات الإجمالية على المستوى الإقليمي ثابتة دون تغيير حتى خلال الفترة المتأثرة بجائحة كوفيد-19 (رغم انخفاض الدرجات كثيراً)، حيث تصدرت قارة أمريكا الشمالية القائمة، بينما بقيت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء في أسفل الترتيب. وتوضح لنا نتائج المؤشر أنه رغم نجاح الدول المعتمدة على السلع الأساسية في تحقيق مكاسب على المؤشر الفرعي لتنويع الإنتاج وعلى المؤشر الفرعي لتنويع التجارة على مرّ السنين، إلا أن تنويع الإيرادات ظل عائقاً أمام التقدم العام في كثير من الدول. على سبيل المثال في النرويج، التي تحتل مرتبة عالية على المؤشر الفرعي لتنويع الإيرادات، نجد أن الإيرادات الضريبية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بلغت معدلاً عالياً يزيد على 30% مقارنة بمعدلات دول أخرى لم تتعد 9%، مثل البحرين أو إيران أو الكويت على سبيل المثال لا الحصر.
وفي دول الخليج، حققت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تقدماً كبيراً في التنويع الاقتصادي، بفضل الإجراءات السياسية الرامية إلى دخول هذه الدول إلى قطاعات اقتصادية جديدة لا تعتمد على النفط. وبعد انتشار جائحة كوفيد-19، التي أثّرت بشدة على القطاعات غير النفطية (مثل السياحة والبنية التحتية والخدمات اللوجستية)، كان هناك تحول متسارع في السياسات المطروحة لتمكين التحول الاقتصادي، وتضمنت هذه التحولات الرئيسية (الموجهة بشكل خاص إلى سوق العمل وتعزيز التنقل) اعتماد الاقتصاد الرقمي، والجهود المبذولة لتوسيع القاعدة الضريبية، والحملة المنسقة لتخصيص بعض الأصول والشركات المملوكة للدولة بهدف التخلص من مخاطر أصول الوقود الأحفوري، إضافة إلى العديد من الجهود الأخرى، بما يدعم المرحلة التالية من التنويع الاقتصادي في المنطقة.