مال دون مقابل: أكبر تجربة للدخل الأساسي العالمي
كيف سيكسب الأفراد دخلهم في زمن تقوم به الآلات بكلّ شيء؟
لطالما تعرضت المهن البشرية مثل خطوط الإنتاج والأعمال اليدويّة ذات المهارات المنخفضة للتهديد وحتى الإلغاء.
لكنّ مهن الطبقة المتوسّطة مثل الصحافة، والتسويق، والقانون، وحتّى الطب، قد تكون معرضةً للتهديد ذاته.
لذا لن نتفاجأ بتزايد الاهتمام بفكرة حصول الجميع على مبالغ تكفي احتياجات المعيشة الأساسيّة، سواء أكانوا موظفين أم لا.
دخل فردي للجميع
لا تعتبر فكرة دفع الدول رواتب لجميع المواطنين، بغض النظر عن عمرهم أو ثروتهم أو دخلهم، فكرة مستحدثة.
وتطرّق السير توماس مور إلى فكرة الدخل الأساسي العالمي في كتابه "يوتوبيا" الذي صدر عام 1516، واستحوذ على دعم المفكرين والأكاديميّين والاقتصاديّين على مرّ العصور، بمن فيهم مارتن لوثر كينغ الابن وج. ك. جالبريث والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
ويجري العمل حاليّاً على تخطيط أو تنفيذ تجارب للدخل الأساسي العالمي في دول عدة، من ضمنها كندا واسكتلندا وفنلندا. وقد حصلت الفكرة على دعم من رواّد أعمال أغنياء في مجال التكنولوجيا بما في ذلك إيلون مسك، مؤسّس "سبيس إكس" و"تيسلا".
وقال مسك في كلمته خلال القمّة العالميّة للحكومات 2017 في شهر فبراير الماضي: "أعتقد أنّه سيتعيّن علينا في النهاية أن نقدم دخلاً أساسياً عالمياً. ولا أعتقد أن لدينا خيار في هذا المجال".
مؤيدون ومعارضون للفكرة
يقول مؤيدو الدخل الأساسي العالمي أنّه سيحدّ من تقييد الأفراد بوظائف يكرهونها، ومن الثغرات في المساواة بين الجنسَين وبين الأغنياء والفقراء.
في المقابل يقول معارضو الفكرة أنّها ستثني الأفراد عن إيجاد عمل وستشجع على الإنفاق بشكل متهوّر على الخمور أو المخدرات بدل التعليم أو رعاية الأطفال أو الحاجات الأساسيّة.
ومع ذلك، وفي حين تشير بعض الدراسات إلى أنّ المستفيدين يصرفون أو يستثمرون المال في جوانب تحسّن مستويات دخلهم وأمنهم وصحتهم النفسيّة، فإنه لم يتمّ إجراء دراسة معمّقة تبيّن كيفيّة عمل الدخل الأساسي العالمي بدقّة.
من جهة أخرى قام البعض باتّهام تجربة فنلنديّة للدخل الفردي، اعتبرها آخرون إنجازاً، بالإخفاق وانتقدوها لأنها تنحصر بحكومة يمين وافدة ولا تشكّل عيّنة مجدية.
والآن، وبفضل أكبر تجربة للدخل الأساسي العالمي، تجري بدعم من شركة "غوغل" للتكنولوجيا، وتمويل من التبرعات الخيريّة، يمكننا أن نتعلّم الكثير عن تأثير الدخل الأساسي العالمي.
المصدر: "شاترستوك"
"غيف دايراكتلي" (GiveDirectly)
تعمل مجموعة "غيف دايراكتلي" غير الربحيّة، من مقرها في الولايات المتحدة الأمريكيّة، مع خبراء اقتصاديّين رائدين لتنفيذ تجربة لاختبار تأثيرات النماذج المختلفة من الدخل الأساسي العالمي في كينيا بمنتهى الدقة.
وستجري الدراسة تجربة عشوائيّة مدارة تقارن مجموعات من القرى باستخدام النماذج التالية:
- دخل أساسي طويل الأمد: 40 قرية يحصل المستفيدون فيها على 0.75 دولار أمريكي يومياً لكلّ بالغ، تقدم شهريّاً لفترة 12 عاما.
- دخل أساسي قصير الأمد: 80 قرية يحصل المستفيدون فيها على القيمة الشهريّة نفسها، لكن لمدة عامَين فقط.
- مجموعة المراقبة: 100 قرية لا تحصل على تحويلات نقديّة.
وسيحصل أكثر من 16 ألف فرد على هذه الدفعات، يجني أكثر من 6 آلاف فرد منهم دخلا أساسيا طويل الأمد. وسيعمل باحثون محترفون على دراسة النتائج دون تحيّز.
وأعلنت "غيف دايراكتلي" أنّها ستحصل على نتائج بشأن كيفيّة تأثير التحويلات النقديّة طويلة الأمد على القرارات قصيرة الأمد وعلى جودة الحياة خلال العامَين الأوّلَين من المشروع.
وستسهم المقارنة بين المجموعات بتسليط الضوء على أهميّة الدخل الأساسي العالمي بالنسبة للنتائج الفوريّة، مثل تأسيس الشركات، بالإضافة إلى مقدار الاختلاف في حال كان هذا الدخل طويل أو قصير الأمد.
ما هي العوامل المساهمة في نجاح الدخل الأساسي العالمي؟
لا يزال العالم بانتظار النتائج الأولى من هذه التجربة، لكنّ النقاد، بما فيهم النقابات في فنلندا، يشيرون أنّه لم يتمّ اختبار الدخل الأساسي العالمي في الدول المتقدمة، وأنه قد يؤدي إلى التكاسل وضعف الأداء الاقتصادي.
وعلى الرغم من ذلك، قال جون ثورنهيل، رئيس التحرير في مجال الابتكار في "فاينانشال تايمز"، أنّ ألاسكا تدفع عائدات تماثل الدخل الأساسي العالمي منذ حقبة ازدهارها النفطي في سبعينيات القرن الماضي، ولا دليل على التكاسل. وأوضح ثورنهيل قائلاً: "تعتبر ألاسكا واحدةً من أكثر الولايات تحقيقاً للمساواة الاقتصادية، وتتمتّع بأحد أكثر معدلات الفقر انخفاضا، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى هذه العائدات السنوية".
وفي الوقت نفسه، اقترح بيل غيتس، رائد الأعمال والناشط في مجال الأعمال الخيرية، أنّ فرض ضريبة على الروبوتات قد يساهم بتمويل الدخل الأساسي العالمي، في حين أشار ثورنهيل إلى إمكانية الاستفادة من "فيسبوك" كمصدر للدخل مقابل البيانات التي يمنحها الأفراد.
وعلى الرغم من أنّ البعض يشكّكون بقدرة "فيسبوك" بمفرده على دعم سكان العالم، فإن بعض مناصري فرض ضريبة على البيانات يدعمون هذه الفكرة.
واقع مثالي أم مرير؟
لا شك في أنّ الثغرة بين الأغنياء والفقراء تزداد اتساعاً.
وفي حين أن مستقبل الذكاء الاصطناعي للروبوتات الذي تصوّره إسحق عظيموف وهربرت جورج ويلز يعِد بتقديم المساواة للجميع، فإن ذلك على الأغلب سيحمل تبعاته الخاصة. وفي حال عدم وجود محاولات لإعادة توزيع الثروات في هذا العالم الجديد من أعلى الهرم إلى أدناه، فمن المحتمل أن نشهد تأثيرات جانبيّة مثل الاضطرابات الاجتماعية والفقر، والأمراض المرتبطة بهما.