لمن تعود ملكية مياه المريخ وموارد الفضاء؟
يوشك سباق جديدٌ للبحث عن الثروات أن يبدأ خارج الغلاف الجوي للأرض، حيث يسعى المغامرون إلى استخلاص المعادن والأحجار النادرة والثمينة من الكويكبات.
في هذا السياق، صرّح عالم الفيزياء الفلكية نيل ديغراس تايسون، خلال القمة العالمية للحكومات 2018 في دبي، أنّ أول من سيحمل لقب التريليونير هم الأشخاص الذين سيستخرجون المعادن والمياه من الكويكبات خلال سعي البشرية لاستكشاف الكون.
وتعمل بالفعل بعض الشركات الخاصة، بما فيها "بلانيتاري ريسورسز" و"ديب سبيس ريسورسز" بشكل فعال على اكتشاف الكويكبات التي تنطوي على إمكانات كبيرة لتحقيق الأرباح، وتسعى لاستخراج هذه الموارد.
هذا وتشارك الدول أيضاً في سباق التعدين الفضائي، حيث تواكب لوكسمبورغ واليابان والإمارات العربية المتحدة التطورات في هذا المضمار.
وتثير هذه المسألة بعض التساؤلات الجوهرية؛ مثلا، لمن تعود ملكية الموارد في الفضاء؟ هل سيكون التعدين الفضائي مجانياً للجميع، وستكون الثروة فيه لأول الواصلين، أو لأول من يستخرجها؟ ومن لديه سلطة الرقابة –إن وجد- لضمان استخدام هذه الموارد بشكلٍ مسؤول ولصالح البشرية؟
إطلاق الصواريخ نحو الثروات
إنّ تكنولوجيا التعدين الفضائي موجودةٌ بالفعل، فقد أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" مهمة ستمتد سبعة أعوام، بميزانية تبلغ مليار دولار أمريكي، من أجل تحديد مكان واستخراج المعادن من كويكب يدعى "بينو".
ومن المفترض أن تقترب مركبة "أوريسيس-ريكس" الفضائية من الكويكب خلال العام الجاري، وتستخلص عينات من الصخور والتربة من على سطحه قبل أن تعود إلى الأرض عام 2023.
وبينما يأمل العلماء أن تعطيهم العينات فهماً أكبر لكيفية نشوء النظام الشمسي، فإن هذه المهمة تُظهر بأنّنا نمتلك القدرة على استخراج المعادن من الكويكبات.
ومن المرجح أن تكون المياه أكبر الثروات، ليس بسبب ندرتها على كوكب الأرض، وإنّما لإمكانية استخدامها كوقود لاستمرار المركبات في عملية استكشاف الفضاء خارج غلافنا الجوي.
إذ يمكن استخدام المياه لإنتاج الهيدروجين الذي يستخدم بدوره كوقود للمركبات الفضائية، بالإضافة إلى توفير مياه الشرب لطواقم المركبات، بينما يمكن استخدام الأكسجين الموجود في المياه لإنتاج الهواء للطاقم لكي يتنفسوا.
وسيسهم هذا الأمر في تغيير قواعد اللعبة فيما يتعلق باستكشاف الفضاء، وسيتيح للمركبات الفضائية التزود بالوقود في الفضاء وبالتالي السفر لمسافات أكبر بكثير.
ويُعتقد أن العديد من الكويكبات غنية بالمعادن بما فيها الذهب، والبلاتينيوم، والألومينيوم، والنيكل، والتيتانيوم. ويمكن استخدام هذه المعادن كمواد بناء عند الاستيطان في الفضاء أو يمكن جلبها إلى الأرض.
حقوق الملكية السماوية
استندت التشريعات الحالية للفضاء في السابق إلى معاهدة الفضاء الخارجي للأمم المتحدة والتي أُقرّت عام 1967 خلال الحرب الباردة والسباق نحو الفضاء بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة.
وتحظر هذه المعاهدة على أي دولة المطالبة بحقوق السيادة على أي أجرام فلكية، لكنّها لا تشمل الموارد التي تحتويها الأجرام. على نحو مشابه، فإنّ اتفاقية القمر لعام 1979 لا تمنع استغلال موارد القمر بشكل صريح.
ولم تكن هناك رغبة أو تحركات سياسية من أجل تحديث المعاهدة لتعكس واقع استكشاف الفضاء في القرن الحادي والعشرين.
وفي ظل غياب التشريعات الكافية من الأمم المتحدة، قامت دولتان بوضع أطرهما القانونية الخاصة من أجل التشجيع على تعدين الفضاء.
ونجح باراك أوباما، الرئيس السابق للولايات المتحدة، بإقرار قانون التنافسية في إطلاق المركبات الفضائية التجارية في عام 2015. ويتيح هذا القانون للشركات الأمريكية أو حتى السلطات أن تمتلك الموارد التي تستخرجها من الفضاء.
وقال السيناتور الجمهوري كيفن مكارثي في معرض نقاشه لمشروع القانون: "سيجمع مشروع القانون هذا ما بين التشريع والابتكار، مما يتيح للجيل التالي من الرواد القيام بالتجارب والتعلم والنجاح دون أن تعيقهم الإجراءات التنظيمية غير الناضجة".
ولاقت هذه الخطوة ترحيباً من مستخرجي المعادن الفضائية المستقبليين، إذ وصفت "بلانيتاري ريسورسز" القانون بأنّه "أعظم اعتراف بحقوق الملكية في التاريخ".
مع ذلك فإن هناك شكوك بشأن مدى عملية قانون صاغته دولة واحدة عندما يتم تطبيقه على الفضاء باتساعه، أو حقوق الدول الأخرى والشركات غير الأمريكية في هذه الموارد التي يحتويها الفضاء.
وقامت لوكسمبورغ أيضاً بصياغة إطارها القانوني الخاص بالتعدين الفضائي ومنحت الشركات التجارية حقوق ملكية الموارد حالما تقوم باستخراجها.
وتعمل هذه الدولة الصغيرة على تعزيز التعاون الدولي وتقوم بعقد اتفاقيات ثنائية مع دول مثل اليابان بهدف العمل بشكل مشترك ضمن حدود مجموعة متفق عليها من القواعد.
وبينما تعمل الدول لتحقيق مصالحها الخاصة، تقوم مجموعة مستقلة- معروفة باسم مجموعة عمل لاهاي لإدارة الموارد الفضائية- باقتراح مجموعة من اللبنات الأساسية التي يمكن أن تفضي في نهاية المطاف إلى إطار دولي يحكم الموارد الفضائية.
الغبار الفضائي
توجد مع ذلك مخاوف كبيرة بشأن فكرة الاستيلاء على موارد الفضاء والآثار البيئية التي تترتب على تغييره.
فكلّما زادت الأنشطة، تغيرت الظروف الأصلية للفضاء بطريقة لا رجعة فيها، مما يعيق البحوث العلمية المهمة المحتملة.
ومن شأن التعدين الفضائي أيضاً أن يلوث الأجرام السماوية بميكروبات من الأرض. ومن المحتمل أن تنتج عنه سحب من الغبار الفضائي أو الأحجار الطليقة في الفضاء التي قد تشكل خطراً على عمليات الأقمار الاصطناعية.
لكن من غير المحتمل أن يتوقف التقدم والابتكار، إذ يعمل عدد متزايد من الدول والشركات الرائدة على وضع رؤية لاستعمار المريخ. وتعتمد مثل هذه الخطط بشكل كبير على القدرة على استخدام الموارد الفضائية للبناء والعيش بين النجوم.
وهناك حاجة جوهرية للمزيد من الإدارة والتنظيم إن أردنا لهذا الأمر أن يحدث بطريقة تعود بالفائدة على البشرية وبيئتنا الكونية.
وإنْ كان أوائل من ستصل ثرواتهم إلى التريليونات سيصنعون ثرواتهم من تعدين الكويكبات، فسيترتب على أحد ما أن يحرص على عدم تحقيق هذه الأرباح على حساب جميع من تبقى.