كيف يمكن خفض زمن تنقلاتكم بنسبة 90 في المائة
في مشهد يبدو وكأنه مستوحى من الأفلام، تدخل إلى عربة معدنية تُعرف بـ"الكبسولة"، يماثل شكلها شكل الرصاصة لسبب وجيه.
بعد أن تجلس، تغلق الأبواب بهدوء وتنزلق الكبسولة داخل أنبوب معدني ضخم. وفجأة، تبدأ بالشعور بحركة خفيفة، كما لو كنت تستقل مصعداً يتحرك إلى الأمام أو كنت على متن طائرة تهمّ بالإقلاع، وهو ليس شعوراً مزعجاً.
ما أن تنتهي من قراءة رسائلك الإلكترونية، حتى تجد أنك بلغت وجهتك، التي كانت على بعد 550 كيلومتراً، في رحلة استغرقت 45 دقيقة فقط، بسرعة تجاوزت ألف كيلومتر في الساعة.
هذا هو عالم تقنية "هايبرلوب"؛ وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، هذا ما ستكون عليه الرحلة من مدينة مكسيكو سيتي إلى غوادالاخارا خلال بضعة أعوام فقط.
مواصلات فائقة السرعة
طُرحت فكرة القطارات التي تتحرك داخل أنابيب مفرّغة من الهواء ومعلقّةً عن طريق مغناطيس قوي يزيل الاحتكاك الذي يؤدي إلى خفض السرعة عام 1909، من قبل الفيزيائي روبرت غودارد، رائد علم الصواريخ.
ومنذ ذلك الحين، أصبح المفهوم مألوفاً في أفلام الخيال العلمي. ولكن كان لا بد من الانتظار حتى عام 2013 ليخطو المشروع أولى الخطوات نحو أرض الواقع، عقب محادثة بين رائدي الأعمال شيرفين بيشيفار وإيلون ماسك.
وقد أعلنت "هايبرلوب وان"، شركة بيشيفار، عن الفائزين في المسابقة العالمية لإيجاد المدن والدول التي ستشارك في تطوير أنظمة نقل "هايبرلوب" الأولى.
وشملت قائمة المسارات الفائزة مسار دالاس-هيوستن في الولايات المتحدة، ومسار إدنبرة-لندن في المملكة المتحدة، ومسار مومباي- تشيناي في الهند، إضافةً إلى مسار بين مدينة مكسيكو سيتي وغوادالاخارا في المكسيك.
وستعمل شركة "هايبرلوب وان" الآن مع الفرق التي قدمت العروض الفائزة لدراسة جدوى وقابلية هذه الشبكات والتخطيط للمراحل المقبلة.
في حين يبدو هذا المفهوم وكأنه مستوحى من روايات هيربرت جورج ويلز، إلا أن الخطط لتطويره قد قطعت شوطاً كبيراً بالفعل. وتملك "هايبرلوب وان" موقع اختبار في صحراء نيفادا، وتعمل على تشييد مسار تجريبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، لقطار فائق السرعة يقطع المسافة بين إمارتي دبي وأبوظبي، التي تبلغ 140 كيلومتراً وتستغرق حالياً ساعة ونصف الساعة، في زمن لا يتعدى 12 دقيقة.
لا تزال التكلفة المحتملة لهذا المشروع رهن التخمينات. وكان ماسك قد أعلن في البدء أن إنشاء مسار بطول 310 أميال (أي 500 كلم) من سان فرانسيسكو إلى لوس أنجلوس سيكلف 6 مليارات دولار أمريكي، أو 11.5 مليون دولار أمريكي للميل الواحد.
ومع ذلك، أظهرت وثائق مسربة إلى أن مساراً أقصر في كاليفورنيا بطول 107 أميال قد يكلف 13 مليار جنيه استرليني ، أي 121 مليون دولار أمريكي للميل الواحد.
في حين تبلغ التكلفة التقديرية لمسار أبوظبي – دبي نحو 4.8 مليار دولار أمريكي، أي 52 مليون دولار للميل الواحد.
ويقول مؤيدو تقنية "هايبرلوب" أن توفير الوقت وخفض التلوث الناجم عن حركة المرور وزيادة الإنتاجية يمكن أن تبرر هذه التكاليف.
ولم يتم تحديد تاريخ فعلي لبدء تشغيل مشروع قطار "هايبرلوب" الأول بعد، لكن بعض التقديرات تشير إلى إمكانية افتتاح مسار دبي - أبوظبي عام 2020.
من الرابح ومن الخاسر؟
يقدم مقطع فيديو عن مسار القطار في المكسيك فكرة واضحة عن الفوائد الاقتصادية المحتملة لقطار مدينة مكسيكو سيتي-غوادالاخارا فائق السرعة.
وسيتم بناء المحطات بالقرب من وصلات النقل القائمة، مثل السكك الحديدية والمطارات والطرق الرئيسية. كما ستربط مراكز صناعية ناجحة بالفعل في جميع أنحاء الدولة، مثل قطاعات الفضاء والتكنولوجيا، وتحسّن إمكانيات التنقل لـ42 مليون نسمة.
ويشير مؤيدو المسار إلى أنه سيسهم أيضاً، إلى جانب تعزيز الاقتصاد، في التخفيف من الازدحام وخفض التلوث، ما مما سيعود بالنفع على المواطنين ويقلل من النفقات الصحية على المدى الطويل.
في حال تكرار هذه الخطط في دول أخرى، فإن الفوائد على الصحة والكفاءة والنمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم ستكون كبيرة بالتأكيد.
ومع ذلك، من المحتمل أن يكون هناك خاسرون من المشروع. كان مشروع "هايبرلوب" الذي تصوره ماسك في البداية عبارة عما يشبه عربة تتسع لعدد قليل من الركاب، في حين أن المقترحات الحالية تتحدث عن قطار شبيه بالقطارات التقليدية. كما أن الاحتمالات تشير إلى ارتفاع التكاليف الأولية، وكما هو الحال بالنسبة إلى جميع أعمال البنى التحتية واسعة النطاق، فإن هذه التكاليف قد تتضخم، مما قد يؤدي إلى تداعيات سياسية ومالية على الحكومات التي تقوم ببنائها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المدن والمجتمعات التي ستتجاوزها هذه المنظومات الجديدة قد تخسر نتيجة التأثيرات السلبية على أسعار العقارات والوظائف والخدمات المحلية مثل المدارس والمستشفيات.
وكما حصل في مشروع بناء خط سكة حديدية عالية السرعة في المملكة المتحدة، قد تتطلب هذه المشاريع هدم منازل بعض السكان الذين يعيشون بالقرب من المواقع ضمن المشروع لإفساح المجال أمام هذه المسارات الجديدة.
هذا وقد تتأثر الاستثمارات المستقبلية في المواقع التي ستتجاوزها منظومات النقل الجديدة، حيث أن الشركات ستنتقل بعيداً عن مواقعها الحالية لتتمركز بالقرب من محطات هذه القطارات أو مراكز الربط.
وأخيراً، ليست "هايبرلوب وان" اللاعب الوحيد في هذه اللعبة. إذ تنافسها شركات أخرى لتكون أول من يطوّر منظومةً عاملة وفعالةً من حيث التكلفة، بما في ذلك ماسك، الذي لا يعمل رسمياً مع "هايبرلوب وان".
قد يكمن مستقبل النقل في السرعات الفائقة، لكننا لم نبلغ غايتنا المنشودة بعد. وسيتطلب بلوغ الهدف اتخاذ قرارات جريئة من قبل الحكومات الراغبة في الاستثمار بقوة في مثل هذه البنى التحتية المبتكرة.