التغير المناخي يُجبِر الملايين على ترك منازلهم
"إذا كانت أوروبا تعتقد أنها تعاني من مشاكل مع الهجرة حالياً، فلتنتظر 20 عاماً"، كان هذا التحذير الصادر مؤخراً عن العميد المتقاعد من سلاح مشاة البحرية الأمريكي ستيفن تشيني.
تشيني كان يشير إلى عشرات الملايين من الناس الذين من المرجح أن يُجبَروا على ترك منازلهم نتيجة للتغير المناخي وزيادة الظواهر الطبيعية الناجمة عنه. فبالإضافة إلى زيادة تواتر حدوثها، يتوقع الخبراء أن تصبح الأنماط المناخية المتطرفة أكثر عنفاً أيضاً.
وأضاف تشيني قائلاً: "سنرى ما سيحدث عندما يدفع التغير المناخي الناس إلى الخروج من أفريقيا، ومنطقة الساحل بشكل خاص. نحن لا نتحدث الآن عن خروج مليون أو مليوني شخص فقط، بل 10 أو 20 مليون شخص. ولن يتجهوا إلى جنوب أفريقيا، بل سيعبرون البحر الأبيض المتوسط".
الظواهر المناخية المتطرفة في ازدياد
يفيد تقرير صادر عن مؤسسة العدالة البيئية "إي جيه إف" أن ما يقدّر بـ21.7 مليون شخص قد أُجبِروا على النزوح من منازلهم سنوياً نتيجةً للأحداث الجوية المتطرفة منذ عام 2008، أي ما يعادل نزوح 41 شخصا كل دقيقة.
كما ازدادت حدة 63 في المائة من هذه الظواهر على مدى الأعوام العشرين الماضية، بما في ذلك موجات الحرّ والأعاصير والجفاف، نتيجةً للتغير المناخي الذي يتسبب به البشر، وذلك وفقاً للبيانات التي جمعتها منظمة "كاربون بريف" البيئية التي حللت أكثر من 140 مقالة خضعت لمراجعة الأقران تتعلق بالظواهر الجوية المتطرفة والتغير المناخي.
ويعد احتمال عودة الأشخاص الذين أُجبروا على ترك منازلهم، إلى ديارهم أمراً مستبعداً إلى حد كبير في ظلّ التوقّعات بتفاقم الأوضاع.
القلق من ارتفاع مستوى البحار
يُقَدّر تقرير صادر عن "البنك الدولي" عن الهجرة الداخلية الناتجة عن المناخ أنه يُحتمل أن ينزح 143 مليون شخص بحلول عام 2050 من جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية.
ويدرس التقرير، الذي يركز على التأثيرات المناخية بطيئة الظهور كفشل المحاصيل وارتفاع مستوى البحر، ثلاثة سيناريوهات محتملة للمناخ والتنمية.
وينص السيناريو "الأكثر ملاءمةً للمناخ"، الذي يتوقع حدوث التأثير الأقل، على أنه قد يضطر ما بين 31 و72 مليون شخص إلى ترك منازلهم في تلك المناطق الثلاث؛ فيما يتوقع سيناريو "التنمية الأكثر شمولية" أن يتراوح النزوح الداخلي ما بين 65 و105 مليون شخص.
وعلى الرغم من أن التقرير الصادر عن البنك الدولي يُقرّ بأن الهجرة الناتجة عن الظروف المناخية أمر لا مفر منه، إلّا أنّه يشير أيضاً إلى أنّ عمليات الهجرة يُمكن أن تكون ناجحة في حال دُعمت بسياسات إنمائية جيدة واستثمارات موجّهة.
على سبيل المثال، تقوم بنغلادش -التي كان يمكن أن يكون فيها أكثر من 13 مليون نازح داخلي نتيجة للظروف المناخية بحلول عام 2050– بوضع خطة تقديرية لعام 2041 تأخذ بعين الاعتبار العوامل المتعلّقة بالتغير المناخي كدوافع للهجرة المستقبلية. ووفقاً للبنك الدولي، تقرّ الخطة بأن الهجرة خيار ملائم للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الأكثر تضرراً.
وإلى جانب الإجراءات الفعالة التي يتم اتخاذها للحد من الاحتباس الحراري بمقدار درجتين بحلول نهاية هذا القرن، يدعو التقرير أيضاً البلدان والهيئات الوطنية إلى تضمين الهجرة الناتجة عن الظروف المناخية في خطط التنمية.
ووفقاً للتقرير: "يتعين على الوكالات الوطنية أن تُدرج الهجرة الناتجة عن الظروف المناخية في جميع أوجه السياسة. وتعد مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات الدولية أمراً أساسياً لوضع أُطر السياسات ونطاقها".
مشكلة عالمية يتطلّب حلّها سياسة دولية
تتضمن المناطق التي حددها البنك الدولي 55 في المائة من سكان الدول النامية في العالم، ومع ذلك فقد يخرج الملايين من اللاجئين نتيجةً للظروف المناخية من بعض الدول الأكثر ازدهاراً في العالم.
وفي هذا السياق، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق ريتشارد كلارك العام الماضي أن التغير المناخي يُشكل الخطر الأكبر الذي يتهدد كاليفورنيا، حيث من المحتمل أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحار إلى نزوح ملايين الأشخاص. ويعلم سكان ولاية لويزيانا الأمريكية مثلا الدمار الذي قد تسببه الظواهر المناخية العنيفة، ففي عام 2005 شهدت الولاية دماراً واسع النطاق حين ضرب إعصار كاترينا أجزاءً كبيرة منها. ونتيجةً لذلك، وضعت سلطات الولاية الخطة الرئيسية الساحلية لعام 2017، التي تهدف إلى توفير الدعم للمواطنين الذين نزحوا داخلياً.
والخطة في الأساس عبارة عن قائمة من المشاريع الهادفة لإصلاح وإعادة تشييد المناطق الشاطئية والجزر الحاجزة للمساعدة على الحفاظ على اليابسة والحد من المخاطر على المجتمعات.
من جهته أشار المدير التنفيذي لمؤسسة العدالة البيئية "إي جيه إف"، ستيف ترينت، إلى أنه يجب على المجتمع العالمي التعامل مع مسألة النزوح الناتج عن التغير المناخي، كما دعا إلى إبرام اتفاقية جديدة متعددة الأطراف وملزمة قانونيا بخصوص هذه القضية.
وقال: "لا يمكننا أن نأمل أن تتعامل الدول مع موجة المعاناة والدمار بشكل فردي؛ فلن ينجح الأمر. سيكون حالنا أفضل
وسنكون مستعدين ومحميين في حال تناولنا المسألة بشكل مشترك".