إنجاز تاريخي في خفض معدلات الفقر: قصص عن "رأسمالية السوق الحرة"
نبيّن في أحدى أكثر رسوماتنا البيانية انتشاراً أن نسبة الأشخاص الذين يعيشون في حالة فقر مدقع حول العالم انخفضت بشكل مستمر على مدى القرنين الماضيين.
وأوضحت تجربتنا على مدى الأشهر القليلة الماضية أن العديد من الأشخاص اعتبروا عند اطلاعهم على هذه الحقيقة التجريبية، أن العولمة في شكل رأسمالية السوق الحرة هي القوة الرئيسية التي ساهمت في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي. ونود أن نذكر هنا أنه على الرغم من أهمية الأسواق الحرة، فإن هذا التركيز على "رأسمالية السوق الحرة" وحدها قائم على تقدير خاطئ.
وأثّرت الأسواق الحرة والعولمة على مدى القرنين الماضيين إيجاباً على النمو الاقتصادي الكلي؛ مما ساهم في تحسين الظروف المعيشية وخفض معدلات الفقر المدقع حول العالم. ولكن هذا الإنجاز لا يزال بعيداً عن التغيير الاجتماعي-الاقتصادي المهم الواجب تحقيقه، كما أن القرنين الماضيين لم يتمحورا فقط حول "رأسمالية السوق الحرة"، إذ زادت الحكومات في جميع أنحاء العالم من إمكانياتها على جمع العائدات إلى حد كبير بهدف إعادة توزيع الموارد من خلال تحويلات
اجتماعية ورفع مستويات معيشة الأشخاص الأكثر حرماناً.
حكومات أكبر
يُظهر الرسم التالي تطور الإنفاق الحكومي كنسبة من الدخل القومي لمجموعة مختارة من الدول على مدى القرن الماضي. وقد
أخذت البيانات من "ماورو وآخرين" (2015)، ويمكنكم استخدام خيار "إضافة بلد" لتضمين سلسلة أخرى.
هذا ونما نطاق الحكومات بشكل كبير على مدى القرن الماضي: حيث أصبحت الحصة التي تسيطر عليها الحكومات من الناتج الإجمالي أكبر بكثير اليوم مما كانت عليه منذ قرنٍ مضى.
وبشكل مطلق، فإن النمو الذي حققته الحكومات ملفت للنظر بدرجة أكبر، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير خلال القرن الماضي، ولذا تتحكم معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم بمزيد من الموارد أكثر من أي وقت مضى.
المزيد من الحماية الاجتماعية
يبين الرسم أعلاه أن الإنفاق الحكومي في أولى الدول الصناعية ارتفع بشكل كبير خلال القرن العشرين، ويُظهر الرسم التالي أن ذلك كان نتيجة للنمو في الإنفاق الاجتماعي على وجه التحديد.
وتأتي البيانات المعروضة في هذا الرسم من عدة مصادر مختلفة، ويمكنكم الاطلاع على مزيد من التفاصيل حول كيفية الجمع ما بينها لإنشاء سلسلة موحدة في علامة التبويب "المصادر".
وتتمثل الرسالة الأساسية من هذا الرسم البياني في أن عملية العولمة الواسعة السريعة التي شهدناها خلال القرنين الماضيين حدثت في نفس الوقت الذي زادت فيه الحكومات من إمكانياتها لفرض الضرائب وإعادة توجيه الموارد من خلال السياسات العامة، ولا سيما التحويلات الاجتماعية.
لماذا يستحق هذا اهتمامنا؟
على الرغم من أن الإنجاز التاريخي المتمثل في خفض معدلات الفقر المدقع حول العالم حدث مع تحرّر الأسواق وازدهار الرأسمالية، إلا أن هذا الانخفاض في معدلات الفقر وتحسين الظروف المعيشية حدث في الوقت الذي بلغ فيه الإنفاق العام وإعادة التوزيع أعلى مستوياته على الإطلاق.
وما نريد التأكيد عليه هو أن الاقتصاد العالمي تغير بطرق متعددة في القرنين الماضيين؛ وعلى الرغم من أن العولمة كانت عاملاً رئيسياً أسهم في رفع مستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم، إلا أن نتائجها الإيجابية تأثرت بالسياسات العامة ولا سيما التحولات الاجتماعية.
ويعتبر هذا الأمر مهماً لأن السياسات الرامية إلى تحرير التجارة وتوفير شبكات الأمان الاجتماعي كثيراً ما تحظى بتأييد جماعات مختلفة، ومن الطبيعي أن تشير تلك الجماعات إلى أن هناك تضارب فيما بينها. وتشير كل من النظرية الاقتصادية والأدلة العملية من مكافحة الفقر المدقع إلى أن هذا أمر خاطئ، إذ ينبغي اعتبار العولمة والسياسة الاجتماعية عنصرين متكاملين لا بديلين.