ابتكارات الحكومات الخلاقة

في أجزاء كثيرة من العالم، تعمل النساء في الغالب كمقدمات رعاية بدوام كامل بدون أجر لأطفالهن أو كبار السن أو غيرهم من أفراد الأسرة الذين يعانون من حالات مرضية متقدمة، ولا يتم الاعتراف بالرعاية التي يقدمونها على أنها عمل منتج وقيِّم، مما يجلعهم يعانون مادياً لأنهم غير قادرين على العمل وكسب قوتهم اليومي، أو السعي لتحقيق أهداف شخصية، أو ببساطة الحصول على إجازة لبضع ساعات من أعمالهم ليقدموا الرعاية المطلوبة لأفراد أسرهم. كما أظهرت الأبحاث، على سبيل المثال، أن وفاة الجدة يمكن أن تقلل بنسبة 30٪ فرصة انضمام ابنتها إلى سوق العمل، وتقليل دخلها بنسبة 50٪.

قد تمكننا التكنولوجيا الحديثة قريباً من كتابة الرسائل الإلكترونية الخاصة بنا باستخدام أفكارنا فحسب، أو قد تساعدنا على اكتساب ذاكرة خارقة. قد تبدو هذه الابتكارات مهمة للغاية، لكنها أثارت العديد من التساؤلات والتحديات الأخلاقية. ما المخاطر التي يمكن أن تمثلها هذه التطورات فيما يتعلق بسلامة وخصوصية دماغك والحفاظ على هويتك الشخصية؟ هل سيكون بإمكان شخص أو جهة اتخاذ القرار حول من يمكنه أن يحصل على هذه التدخلات الدماغية؟ تُعد حكومة تشيلي هي أول حكومة في مجال حماية حقوق الخلايا العصبية والتي قامت بتعديل دستورها استباقياً لحماية الخصوصية العقلية والإرادة الحرة والمعاملة المتساوية للمواطنين بدلاً من انتظار نتائج تطورات التكنولوجيا العصبية. هل ينبغي على الحكومات أن تضع حداً لحماية وسلامة الهوية البشرية قبل أن تتطور التكنولوجيا للسماح بإجراء التدخلات الدماغية؟

غالباً ما تكون اللوائح والقوانين الجديدة صعبة الفهم على الأشخاص المعنيين بها إذا لم تتوفر لديهم نصائح الخبراء الإرشادية. وبما أنه يتم استخدام صياغة معقدة في التشريع، وتميل الوثائق إلى شرح الهدف الأساسي والاستخدام العام للتشريعات فقط، لذلك يحتاج المواطنون إلى البحث واكتشاف كيفية تأثير أي سياسة أو قانون جديد عليهم شخصياً. وقامت حكومات العديد من الدول مثل فرنسا ونيوزيلندا، من خلال استخدام منصة أوبن فيسكا OpenFisca، بإصدار قوانين ذات صلة تهم المواطنين على هيئة شفرة يمكن قراءتها آلياً. وباستخدام تطبيقات مجانية متاحة، يمكن للمواطنين استخدام تلك الشفرة لتشغيل عمليات محاكاة مصممة خصيصاً لمساعدتهم على تقييم أحقيتهم في الحصول على المنافع الاجتماعية.

الذكاء الاصطناعي أصبح الموضوع الأكثر تداولاً وربما سمعت عن ChatGPT. في كثير من الأحيان، يتم الحديث عنه بتخوف: ماذا لو حل الذكاء الاصطناعي محلنا في وظائفنا؟ ماذا لو غيرت الحكومات الموازين ووظفت الذكاء الاصطناعي لمنح المواطنين خيارات أكثر؟ قد تكون مشاركة المواطنين لأفكارهم من خلال المشاورات والحوار مع المسؤولين الحكوميين أمراً صعباً حيث أنه قد لا يكون من السهل وصف الرؤى أو الصور الذهنية مما يتسبب في خلق حواجز أمام المشاركة. قامت مدن فنلندية باستخدام منصة UrbanistAI التي تسمح لأي شخص بتصور أفكاره واستكشاف الاحتمالات التي لم تكن لتخطر بباله لولا وجود هذا النظام. وبهذه الطريقة يتحول المواطنون من مجرد متلقين إلى مساهمين. ونظرًا لأن أدوات الذكاء الاصطناعي أصبحت أكثر استعمالاً، كيف يمكن للحكومات تعزيز الخيال الجماعي للمواطنين؟

يتطلب الوصول إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي القدرة على تحمل تكاليفه. وبالنسبة للكثير من المبتكرين في صربيا، فإن البُنى التحتية الحاسوبية الضخمة التي تدعم الابتكار القائم على الذكاء الاصطناعي مكلفة. وانطلاقاً من إدراك الحاجة إلى جعل الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع، قامت حكومة صربيا بابتكار حاسوب مركزي من الجيل الجديد من أجل المنفعة العامة. يمكن للطلاب والعلماء والشركات الناشئة استخدام المنصة الوطنية التي تقوم على هذه البنية التحتية الجديدة لتطوير عناصر الذكاء الاصطناعي وتطبيقها مجاناً. سمح الحاسوب المركزي لأكثر من 200 خبير من مختلف الميادين بتطوير منتجات وخدمات وتجارب جديدة دون الحاجة لتأمين بنية تحتية باهظة الثمن. زاد عدد العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصربي بنسبة تفوق 50% منذ عام 2016، وأصبح الأكبر من حيث صافي الصادرات في البلاد. ماذا لو كانت تقنيات الذكاء الاصطناعي متوفرة للجميع؟

واجهت إدارة المباني في واشنطن العاصمة طول استغراق عمليات التفتيش على المباني. وتسبب ذلك في تعطيل الإنشاءات وزيادة تكاليف البناء. عملية توظيف مفتشين إضافيين تتم ببطء شديد، مما زاد من النفقات الإدارية. للتصدي لهذا التحدي، أنشأت الحكومة منصة إلكترونية باسم "تيرشس" Tertius لتسهيل عملية تعيين مفتشي بناء مستقلين ضمن المجتمع المحلي. من خلال المنصة يتم ربط المفتشين الجدد المعتمدين بسرعة مع المطورين. تستخدم المنصة خاصية تحديد الموقع الجغرافي لتتبع عمل المفتشين والتأكد من تنفيذ جميع عمليات التفتيش كما ينبغي وفي الوقت المحدد. يسهل الوصول إلى تقارير التفتيش في المنصة، سواء كانت تخص عمليات تفتيش سابقة أو جارية أو مكتملة، مما يضمن الشفافية وسهولة المتابعة. نتيجة لذلك، تقلصت الفترة الزمنية مما أدى إلى توفير آلاف الدولارات من أموال مطوري البناء. حالياً، تعتبر "تيرشس" Tertius المنصة الوحيدة المستخدمة لمتابعة عمليات التفتيش على أعمال البناء في واشنطن العاصمة.